أهم الاخبارالأدب و الأدباءالثقافةالصحة النفسيةحصرى لــ"العالم الحر"

السرد الإنساني بين الشك واليقين قراءة في المجموعة القصصية : ظنون الملائكة بقلم المستشار : صالح شرف الدين عضو لجنة النقد باتحاد كتاب مصر

قضية شخصيات الأزمات وأزمات الشخصيات ، تركز أغلب الاهتمام على الجزء

احجز مساحتك الاعلانية

السرد الإنساني بين الشك واليقين
قراءة في المجموعة القصصية :ظنون الملائكة
للكاتب :أحمد فتحي رزق
بقلم المستشار :صالح شرف الدين عضو لجنة النقد باتحاد كتاب مصر

بين الشك واليقين تسير الحياة ،والأدب من الحياة وللحياة ،والمجموعة القصصية ظنون الملائكة ،مجموعة قصصية تستحق التأمل لأنها تلقي الضوء على قضايا كثيرة تشغل الناس ،تضم حوالي 40 قصة قصيرة وقصيرة جدا ،وأهم ما تثيره من قضايا : قضية شخصيات الأزمات وأزمات الشخصيات ،تركز أغلب الاهتمام على الجزء الفارغ من الكوب ،يتدفق الحكي حتى لو لم يلتزم بعناصر القصة القصيرة في كثير من القصص :فيمتد الزمان وتتعدد الأماكن والشخصيات ، متناولة لمشكلات :الفقر ، الجوع ،المرض،المعاناة ،التعاسة ،الخيانة ،الغدر ،سوء النهاية ،الظلم ، الجور، القهر ،الفساد ،الإرهاب ،سوء الأحوال ..
-الإهداء إلى القلم والنقاد والأدباء والشعراء والكتاب ..
-مقدمة للكاتب :سيد جمعة تبرز الهدف الأسمى للمجموعة القصصية حيث تبرز النماذج البشرية الفاسدة ؛ لتتم مواجهتها .
– أول ما نلاحظه شجاعة الكاتب في السرد ،واختياره لأسلوب السارد العليم في كل القصص القصيرة عدا قصة واحدة رواها بالسرد المباشر بضمير المتكلم :(رأيت الحقيقة ) والسارد العليم أسلوب يجعل الراوي يتحكم في الأحداث ويهيمن عليها ،وتتسع الرؤى حيث لا يُحد منها الربط بين القصة والذات الراوية .
– وإذا تأملنا قصة (علاقة معقدة ) سنجد أغلب سمات المجموعة القصصية الفنية حيث تدفق الحكي ،والمعاصرة ،وتعدد الشخصيات ،وتعدد الأماكن ،لكنها تنتهي نهاية سعيدة ؛لكي تعطي للمجموعة مصداقية فالحياة لا يمكن أن تكون تعاسة وفشل وفساد بالكامل فهناك نجاحات وهناك أمل يقول فيها :
“كتبت على صفحتها بالفيسبوك علاقة مُعقدة؛ بعد أن تمت خطبتها مرات عديدة، ودخلت قصص حب كثيرة، وطُلقت ذات مرة قبل الدخول، فكانت تحدث نفسها دائمًا فلمَ لا؟
فالجميع الآن يكتب عنوانه في علاقة معقدة…..
وعلى حين غرة دخل عليها أحدهم عبر الرسائل؛ قائلًا: إيه بس اللي معقدك يا جميل، فيه حد في الدنيا يقدر يزعلك ؟
استقبلت كلماته بامتعاض أولًا ثمَّ قامت بالرد: والله أنا مُش ناقصة سخافة من حد، هتتعدل ولا تآخد البلوك المتين ؟
رد مباغت أيضًا لم تتوقعه حسناء الفيس، كما أعلنت على صفحتها، أنا أُعاني نفس مشكلتك، والله دخلت كم قصة ولم تنتهِ إلا بالحسرة والندامة: إيه رأيك نبقى أصحاب تحكي لى وأحكي لكِ…
إذا وافقتي سأكون سعيد جدًا، أشعر بآلامك كلما تأوهت على حائط مبكى الفيس. أعجبتها جملته الأخيرة وجلست تضحك، هو بالفعل حائط مبكى، لا أحد يشعر بكَ ممَن هم جوارك؛ حتى في الغرفة المُقابلة أو أسرتك…
فماذا لو تركنا الأمور تسير طواعية لتصل مداركها ؟
مازالت تحدث نفسها واستغرقت في التفكير وأرسلت، سأرد عليك غدًا.
بدأ قلب على يرقص فرحًا، إذ تخطى الثلاثين ولم يتزوج بعد، سأنتظرك بالتأكيد حسناء، سأنتظرك…
ومازالت تٌحدث نفسها…
فقد يغفر لكِ الحبيب سقطة أو هفوة. وقد يتجاوز عن صغائر الجمال. وقد لا يسألك عن ماضيك وكيف كان ؟
وبالعودة لطريقة استقبال الآخر لتلك المقولة (علاقة مُعقدة) قد يسرح بخيالة بعيدًا بما لا يحمد عقباه، ويكون أسوأ من توضيح تلك المسألة بنفسك…
فالقدر أمر محتوم ونافذ على الجميع. فقط أن نُحسن تقديم أنفسنا للآخرين ولمَ لا، فلتكن بداية جديدة، نعم.
فدع الأمور تجرى في أعنتها وأطلق العنان لقلبك أن يجرفك لبحر الهوى والعشق والزواج والنجاح والعمل والتفوق وكل ما تتمنى. فقط، كن واثقًا بأنَّ الله سيغير الحال بالسعى الصحيح المحمود…
وفي صباح اليوم التالي، أرسلت، هذا رقم هاتفي أفضل أن نتحادث سويًّا، إن كنت جادًا في أمرك، وإن تخليت عني سأقتلك، فقد تعبت كثيرًا من تلك المُهاترات، وأرغب في الاستقرار والزواج مثلك تمامًا…
تحدثا على الهاتف لأكثر من ساعتين، وتبادلا كل القضايا المُتعلقة بالحب والزواج، وحكى كل منهما وجيعته ورأت صورته ومكان عمله؛ بل وبطاقة هويته وبعد ذلك أرسلت صورتها وهويتها وعنوان منزلها ورقم هاتف والدها في أجازة عيد الفطر ذهب عليٌ ووالده وخالته ……
وتكفلت إحدى جمعيات الأيتام بالفرح والعرس لوجود اسم حسناء بين اليتيمات بعد أن توفيت والدتها وهى فى الثامنه..
بعدها استبدل الكثير منهم عبارته الشهيرة بأخرى وهى علاقة آمنة.”
– وفي قصة :(صباح ينتظر الفرح ) تألق السرد ،وتحققت أغلب عناصر القصة القصيرة الفنية :التكثيف ،والأمتداد الأفقي ،وحدة الأشخاص ،ووحدة الزمان والمكان والجو النفسي ،والمضمون يقول :
“لم تُمكنه غرائزه من الشبع والكفاية يومًا ما، عاشر النساء أدمن كل شئ بغية الرضا دون جدوى، يحيا على الفتات، لم تمتلئ معدته قط، لم يدعو ربه أبدًا أن يكون رزقه قوتًا مقدرًا ظلَّ يلهث خلف ذاك الصباح الذي ينتظر الفرح. حين يسمع أصوات المطرقة والسندان وآذان الكنيسة ودعوات المسجد، وصيحات رجال الحفر في البرج المجاور، ومخزن الأخشاب وشادر البطيخ وسوق الخضار والفاكهة، وعلى محطات الزمن يُراوده الحلم المشوه في غدٍ أفضل…
ذهب بصحبة جده للصلاة، والتبرك بمسجد مولانا الجعفري، وبعد أن ترك كلتا يداه وابتعد عنه، رآها تحمل أطيب أنواع التمور، وتوزع على الزوار تراقبها أمها عن بُعد وتركض، كلما شكرت أحد دعى لها، اقترب مُحاولًا المساعدة في التوزيع؛ إلا أنها ابتسمت له بعد أن أعطته تمرات ثلاث، وهمست في أذنه، نحضر كل جمعة بين المغرب والعشاء أنا وأمى؛ سنراك قريبًا”
-ورغم كثرة المجموعات القصصية التي تكون أغلب نصوصها حكيا مرسلا من عناصر القصة القصيرة الفنية ،فإن القصص التي تتحقق فيها عناصر القصة القصيرة الفنية تبقى مؤثرة ومحلقة في سماوات الخلود ،حيث يؤثر فينا امتداد الزمان والمكان وتعدد الأشخاص عندما يكون في رواية حيث اتساع المجال لرسم الشخصيات ،ورسم الأماكن .
-أما القصص القصيرة جدا ،فالمعيار الذي يفرق بين النثر الفني القصير وبين القصة القصيرة جدا هو قدرة القصة القصيرة جدا التي تتكون من (كلمتين إلى مائة كلمة ) قدرتها على أن تجعلنا نتخيل نحن القصة بكل عناصرها من خلال :عنوان من جسم القصة ،والمفارقة ،ودهشة الختام ،والتكثيف ،والترميز والتلغيز ….
(وقد قعّد الدكتور مسلك ميمون لهذا النوع من القص )
وقد تحققت أغلب عناصر القصة القصيرة جدا في القصة الثالثة التي يقول فيها الكاتب
“عندما شعر السائق بعدم قدرته على إكمال الرحلة،
تخلى عن عجله القيادة لباقِي الركاب، وكانت فرحة عارمة”
-أتمنى في الأعمال والطبعات القادمة :
انضباط أكثر في الشكل ، فيزيد الاهتمام بالتدقيق اللغوي ، ويتم الفصل بين القصص القصيرة ،والقصص القصيرة جدا ،والشعر .
البدء بنص شعري :(في حب الرسول ) كم كان سيناسب المجموعة القصصية لو كان تقديما بأسطر قليلة ،وحبذا لو كان هناك كتاب مستقل لنصوص الشعر .
-ومن حيث المضمون زيادة الرسم الفيزيائي لأبطال القصص لتؤثر أكثر في المتلقي ،وأن يقوى نسيج القصص بمزيد من التكثيف ،وعدم ذكر أسماء أو وقائع معاصرة دون توثيق حتى لا يثور حولها أي خلاف ،فيمكن أن يقول الكاتب كل ما يريد دون مباشرة ،فخلط الحقيقة بالخيال بصورة لا يمكن لنا فصلها براعة سردية نتمنى أن تنتشر خصوصا في السرد التقليدي .
وفي ختام هذه القراءة السريعة نتمنى للكاتب دوام التوفيق ،وأن نقرأ له أعمالا قادمة قيمة ومبدعة ..
الجيزة
إبريل 2019م

احمد فتحي رزق

المشرف العام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى